فصل: الجملة الرابعة في بيان ما يعرف به ابتداء الليل والنهار:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.الجملة الرابعة في بيان ما يعرف به ابتداء الليل والنهار:

وقد تقدم أن النهار الطبيعي أوله طلوع الشمس وآخره غروبها، والنهار الشرعي أوله طلوع الفجر الثاني وآخره غروب الشمس؛ فيخالفه في الابتداء ويوافقه في الانتهاء، وطلوع الشمس وغروبها ظاهر يعرفه الخاص والعام، أما الفجر فإن أمره خفي لا يعرفه كل أحد، وقد تقدم انقسامه إلى كاذب: وهو الأول، وصادق: وهو الثاني، وعليه التعويل في الشرعيات، فيحتاج إلى موضح يوضحه ويظهره للعيان، وقد جعل المنجمون وعلماء الميقات له نجوماً تدل عليه بالطلوع والغروب والتوسط، وهي منازل القمر، وعدتها ثمان وعشرون منزلة وهي الشرطان، والبطين، والثريا، والدبران، والهقعة، والهنعة، والذراع، والنثرة، والطرف، والجبهة، والخرتان، والصرفة، والعواء، والسماك، والغفر، والزبانان، والإكليل، والقلب، والشولة، والنعائم، والبلدة، وسعد الذابح، وسعد بلع، وسعد السعود، وسعد الأخبية، والفرغ المقدم، والفرغ المؤخر، وبطن الحوت.
والمعنى في ذلك أن الشمس إذا قربت من كوكب من الكواكب الثابتة أو المتحركة سترته وأخفته عن العيون، فصار يظهر نهاراً ويختفي ليلاً ويكون خفاؤه غيبة له، ولا يزال كذلك خافياً إلى أن تبعد عنه الشمس بعداً يمكن أن يظهر معه للأبصار وهو عند أول طلوع الفجر، فإن ضوء الشمس يكون ضعيفاً حينئذ فلا يغلب نور الكوكب فيرى الكوكب في الأفق الشرقي ظاهراً، وحصة كل منزلة من هذه المنازل من السنة ثلاثة عشر يوماً وربع سبع يوم ونصف ثمن سبع يوم على التقريب كما سيأتي على المنازل الثمانية والعشرين، خص كل منزلة ما ذكر العدد والكسور، ولما كان الأمر كذلك جعل لكل منزلة ثلاثة عشر يوماً، وهي ثلاث عشرة درجة من درج الفلك، وجمع ما فضل من الكسور على كل ثلاثة عشر يوماً بعد انقضاء أيام المنازل الثمانية والعشرين، فكان يوماً وربعاً، فجعل يوماً في المنزلة التي توافق آخر السنة وهي الجبهة فكان حصتها أربعة عشر يوماً، وبقي ربع يوم ونسيء أربع سنين حتى صار يوماً فزيد أيضاً، فكانت كواكب المنازل المذكورة تطلع مع الفجر، منها أربعة عشر يوماً ثلاث سنين، وفي السنة الرابعة تطلع بالفجر خمس عشر يوماً.
فأما الشرطان وهما المنزلة الأولى، فأول طلوعهما بالفجر في الثالث والعشرين من برمودة من شهور القبط، وهو الثامن عشر من نيسان من شهور السريان.
وأما البطين وهو المنزلة الثانية؛ فأول طلوعه بالفجر في السادس من بشنس من شهور القبط، وهو أول يوم من أيار من شهور السريان.
وأما الثريا وهي المنزلة الثالثة، فأول طلوعها بالفجر في التاسع عشر من بشنس من شهور القبط، وهو الرابع عشر من أيار من شهور السريان.
وأما الدبران وهو المنزلة الرابعة، فطلوعها بالفجر في الثاني من بؤنة من شهور القبط، وهو السادس والعشرون من أيار من شهور السريان.
وأما الهقعة وهي المنزلة الخامسة، فأول طلوعها بالفجر في الخامس عشر من بؤنة من شهور القبط، وهي التاسع من حزيران من شهور السريان.
وأما الهنعة وهي المنزلة السادسة، فأول طلوعها بالفجر في الثامن والعشرين من بؤنة من شهور القبط، وهو الثاني والعشرون من حزيران من شهور السريان.
وأما الذراع وهو المنزلة السابعة، فأول طلوعه بالفجر في الحادي عشر من أبيب من شهور القبط؛ وهو الثامن عشر من تموز من شهور السريان.
وأما النثرة وهي المنزلة الثامنة، فأول طلوعها بالفجر في الرابع والعشرين من أبيب من شهور القبط، وهو الثامن عشر من تموز من شهور السريان.
وأما الطرف وهو المنزلة التاسعة، فأول طلوعه بالفجر في السابع من مسرى من شهور القبط، وهو اليوم الآخر من تموز من شهور السريان.
وأما الجهة وهي المنزلة العاشرة، فأول طلوعها بالفجر في العشرين من مسرى من شهور القبط، وهو الثالث عشر من آب من شهور السريان.
وأما الخرتان وهو المنزلة الحادية عشرة، فأول طلوعه بالفجر في الرابع من أيام النسيء القبطي، وفي السنة الكبيسة في الخامس منه، وهو السابع والعشرون من آب من شهور السريان.
وأما الصرفة وهي المنزلة الثانية عشرة، فأول طلوعها بالفجر في الثامن عشر من توت من شهور القبط، وهو التاسع من أيلول من شهور السريان.
وأما الغواء وهي المنزلة الثالثة عشرة، فأول طلوعها بالفجر في الخامس والعشرين من توت من شهور القبط، وفي الثاني والعشرين من أيلول ن شهور السريان.
وأما السماك وهي المنزلة الرابعة عشرة، فأول طلوعها بالفجر في الثامن من بابه من شهور القبط، وهو الخامس من تشرين الأول من شهور السريان.
وأما الغفر وهي المنزلة الخامسة عشرة، فأول طلوعها بالفجر في الحادي والعشرين من باه من شهور القبط، وهو الثامن عشر من تشرين الأول من شهور السريان.
وأما الزبانان وهما المنزلة السادسة عشرة، فأول طلوعهما بالفجر في الرابع من هاتور من شهور القبط، وهو آخر يوم من تشرين الأول من شهور السريان.
وأما الإكليل وهو المنزلة السابعة عشرة، فأول طلوعه بالفجر في السابع عشر من هاتور من شهور القبط، وهو الثالث عشر من تشرين الثاني من شهور السريان.
وأما القلب وهو المنزلة الثامنة عشرة فأول طلوعها بالفجر في آخر يوم من هاتور من شهور القبط، وهو السادس والعشرين من تشرين الثاني من شهور السريان.
وأما الشولة وهي المنزلة التاسعة عشرة، فأول طلوعها بالفجر في الثالث عشر من كيهك من شهور القبط، وهو التاسع من كانون الأول شهور السريان.
وأما النعائم وهي المنزلة العشرون، فأول طلوعها بالفجر في السادس والعشرين من كيهك من شهور القبط، وهو الثاني والعشرون من كانون الأول من شهور السريان.
وأما البلدة وهي المنزلة الحادية والعشرون، فأول طلوعها بالفجر في التاسع من طوبه من شهور القبط، وهو الرابع من كانون الثاني من شهور السريان.
وأما سعد الذابح وهو المنزلة الثانية والعشرون، فأول طلوعها بالفجر في الثاني والعشرين من طوبه من شهور القبط، وهو السابع عشر من كانون الثاني من شهور السريان.
وأما سعد بلع وهو المنزلة الثالثة والعشرون، فأول طلوعها بالفجر في الخامس من أمشير من شهور القبط، وهو الثلاثون من كانون الآخر من شهور السريان.
وأما سعد السعود وهو المنزلة الرابعة والعشرون، فأول طلوعها بالفجر في الثامن عشر من أمشير من شهور القبط، وهو الثاني عشر من شباط من شهور السريان.
وأما سعد الأخبية وهو المنزلة الخامسة والعشرون، فأول طلوعها بالفجر أول يوم من برمهات من شهور القبط، وهو الخامس والعشرون من شباط من شهور السريان.
وأما الفرغ المقدم وهو المنزلة السادسة والعشرون فأول طلوعها بالفجر في الرابع عشر من برمهات من شهور القبط، وهو السابع من آذار من شهور السريان.
وأما الفرغ المؤخر وهو المنزلة السابعة والعشرون، فأول طلوعها بالفجر في السابع والعشرين من برمهات من شهور القبط، وهو الثاني والعشرون من آذار من شهور السريان.
وأما بطن الحوت وهو المنزلة الثامنة والعشرون، فأول طلوعها بالفجر في العاشر من برموده من شهور القبط، وهو الخامس من نيسان من شهور السريان.
وقد نظم الشيخ كمال الدين حفيد الشيخ أبي عبد الله محمد القرطبي أبياتاً، يعلم منها مطالع هذه المنازل بالفجر بحروف رمزها للشهور والأعداد والكواكب، وربما غلط بعض الناس فنسبها إلى الشيخ عبد العزيز الديريني رحمه الله، وهي هذه:
تبيص تهكع بحس بكأغ هدز ** هيزاء هلق كيجش ككون برز

ططب طكبذ أهب أيحس بأخ ** بيدم بكزم بيت بكجش رمز

وليس فيها من الحشوات قط سوى ** أواخر النظم فافهم شرحها لتعز

وبيان كل ذلك أن الحرف الأول من كل كلمة اسم للشهر الذي تطلع فيه تلك المنزلة والحرف الآخر منها اسم المنزلة، وما بين الآخر والأول عدد ما مضى من الشهر بحساب الجمل، مثال ذلك التاء من تبيص كناية عن توت، والصاد منها كناية عن الصرفة، والياء والباء اللذان بينهما عددهما بالجمل اثنا عشر، إذ الياء بعشرة والباء باثنتين فكأنه قال في الثاني عشر من توت تطلع منزلة الصرفة بالفجر، وكذلك البواقي، إلا أنه لا عبرة بأواخر البيتين وهي برز في البيت الأول ورمز في البيت الثاني.
ونظم الإمام محب الدين جار الله الطبري أبياتاً كذلك على شهور السريان وهي هذه:
تهس تحيع تلز تجيء ** توكق كطش كبكن نزول

كدب كويذ كلب شبيس ** شهكح أزيم أبكم ألول

نهب نحيش أآب ** أوكد حطت حبكة صجول

والحال في هذه الكلمات من أوائل الأبيات وأواخرها وأوساطها كالحال في الأبيات المتقدمة، فالتاء من تهس إشارة لتشرين الأول، والسين إشارة للسماك، والهاء بينهما بخمسة ففي الخامس من تشرين الأول يطلع السماك، وعلى هذا الترتيب في البواقي.
واعلم أن هذه المنازل لا تزال أربع عشرة منزلة منها ظاهرة فوق الأرض في نصف الفلك، وأربع عشر منزلة منها خافية تحت الأرض في نصف الفلك، وهي مراقبة بعضها لبعض لاستواء مقادير أبعادها، فإذا طلعت واحدة في الأفق الشرقي غربت واحدة في الأفق الغربي، وكانت أخرى متوسطة في وسط الفلك فهي كذلك أبداً.
والقاعدة في معرفة ذلك أنك تبتدئ بأية منزلة شئت، وتعد منها ثمانية من الطالع فالثامنة هي المتوسطة والخامسة عشرة هي الغاربة؛ فإذا كان الطالع الشرطين فالمتوسط النثرة والغارب الغفر؛ وكذلك في جميع المنازل؛ وفي مراقبة الطالع منها للغارب يقول بعض الشعراء مقيداً لها على الترتيب بادئاً بطلوع النطح وهو الشرطان وغروب الغفر حينئذ:
كم أمالوا من ناطح باعتفار ** وأحالوا على البطين الزباني

والثريا تكللت فرأينا ال ** قلب منها يشعر الدبرانا

هقعوا شولة وهنعوا نعاماً ** بعد ما ذرعوا البلاد زمانا

نثروا ذبحهم بطرف بليع ** جبهة السعد في خرات خبانا

فانصرفنا وفي المقدم عوا ** آخراً والسماك مد رشانا

وقال آخر:
النطح يغفر والبطين مزابن ** ثم الثريا تبتغي إكليلا

والقلب للدبران خل عاذر ** من أجل هقعة شولة ما قيلا

تهوى الهنيعة للنعائم مثل ما ** ينوي الذراع لبلدة ترجيلا

والنثر يذبح عند طرف بلوعه ** ولجبهة سعد غدا منقولا

ولزبرة وسط الخباء إقامة ** فاصرف مقدم ذكرها تعجيلا

يهوي المؤخران إن سماك مرة ** مد الرشا لجيده تنكيلا

وقد نظم صاحبنا الشيخ إبراهيم الدهشوري الشهير بالسهروردي أرجوزة، ذكر فيها الطالع، ثم الغارب في بيت وبعده المتوسط، ثم الوتد وهو الذي يقابله تحت الأرض في بيت ثان، قال:
بطينها نور الزبانين خلع ** فناعس الطرف رمى سعد بلع

ثريا مع الإكليل بالوقود ** تنور الجبهة في السعود

والدبران القلب منه يخفق ** فالخرتان للخباء يطرق

وهقعة شولتها منهزمه ** وصرفة بفرغها مقدمه

وهنعة منها النعائم نفرت ** بعوة بالفرغ قد تأخرت

رمى الذراع بلدة أصابها ** سماك بطن الحوت ما أصابها

فهذه جملتها مكمله ** للشمس في ثلاث عشر منزله

.الجملة الخامسة في ساعات الليل والنهار:

قال أصحاب الهيئة: لما كان الفلك متحركاً حركات متعددة يتلو بعضها بعضاً جعل مقدار كل حركة منها يوماً، ولما كانت الشمس في حركة من هذه الحركات تارة تكون ظاهرة لأهل الربع المعورة، وتارة مستترة عنهم بحدبة الأرض، انقسم لذلك مقدار تلك الحركة إلى الليل والنهار، فالنهار عبارة عن الوقت الذي تظهر فيه الشمس على ساكن ذلك الموضع من المعمور، والليل عبارة عن الوقت الذي تخفى عنهم فيه، فإنه يوجد وقت الصبح في موضع وقت طلوع الشمس في موضع آخر، وفي موضع آخر وقت الظهر، وفي موضع آخر وقت المغرب، وفي موضع آخر وقت نصف الليل.
ولما كانت منطقة البروج مقسومة إلى اثني عشر برجاً، وكل برج إلى ثلاثين درجة، وكانت الشمس تقطع هذه المنطقة بحركة فلك الكل لها في زمان اليوم الجامع لليل والنهار، قسم كل واحد منهما إلى اثني عشر جزءاً، وجعل قسط كل جزء منها خمس عشرة درجة وسمي ساعة. ثم لما كان الليل والنهار يزيد أحدهما على الآخر ويتساويان في الاعتدالين على ما مر، اضطر إلى أن تكون الساعات نوعين: مستوية وتسمى المعتدلة، وزمانية وتسمى المعوجة. فالمستوية تختلف أعدادها في الليل والنهار، وتتفق مقاديرها بحسب طول النهار وقصره، فإنه إن طال كانت ساعاته أكثر، وإن قصر كانت ساعاته أقل، مقدار كل ساعة منه خمس عشرة درجة لا تزيد ولا تنقص، والمعوجة تتفق أعدادها وتختلف مقاديرها، فإن زمان النهار طال أو قصر ينقسم أباداً إلى اثنتي عشرة ساعة مقدار كل واحدة منها نصف سدس الليل والنهار، وهي في النهار الطويل أطول منها في القصي. والذي كانت العرب تعرفه من ذلك الزمانية دون المستوية، فكانوا يقسمون كلاً من الليل والنهار إلى اثنتي عشرة ساعة، ووضعوا لكل ساعة من ساعات الليل والنهار أسماء تخصها.
فأما ساعات الليل فسموا الأول منها الشاهد، والثانية الغسق، والثالثة العتمة، والرابعة الفحمة، والخامسة الموهن، والسادسة القطع، والسابعة الجوشن، والثامنة الهتكة، والتاسعة التباشير، والحادية عشرة الفجر الأول، والثانية عشرة الفجر المعترض.
فأما النهار فسموا الساعة الأولى منه الذرور، والثانية البزوغ، والثالثة الضحى، والرابعة الغزالة، والخامسة الهاجرة، والسادسة الزوال، والسابعة الدلوك، والثامنة العصر، والتاسعة الأصيل، والعاشرة الصبوب، والحادية عشرة الحدود، والثانية عشرة الغروب.
وتروى عنهم على وجه آخر، فيقال فيها: البكور، ثم الشروق، ثم الإشراق، ثم الرأد، ثم الضحى، ثم المتوع، ثم الهاجرة، ثم الأصيل، ثم العصر، ثم الطًّفَل بتحريك الفاء، ثم العشي، ثم الغروب، ذكرهما ابن النحاس في صناعة الكتاب.
قال في مناهج الفكر: ويقال إن أول من قسم النهار إلى اثنتي عشرة ساعة آدم عليه السلام، وضمن ذلك وصية لابنه شيث عليه السلام، وعرفه ما وظف عليه كل ساعة من عمل وعبادة؛ والله أعلم.